فصل: تفسير الآيات (17- 19):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مدارك التنزيل وحقائق التأويل بـ «تفسير النسفي» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (17- 19):

{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19)}
{مّثْلُهُمْ كَمِثْلِِ الذي استوقد نَاراً} لما جاء بحقيقة صفتهم عقبها بضرب المثل زيادة في الكشف وتتميماً للبيان، ولضرب الأمثال في إبراز خفيات المعاني ورفع الأستار عن الحقائق تأثير ظاهر، ولقد كثر ذلك في الكتب السماوية ومن سور الإنجيل سورة الأمثال. والمثل في أصل كلامهم هو المثل وهو النظير. يقال: مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه، ثم قيل للقول السائر الممثل مضربه بمورده مثل ولم يضربوا مثلاً إلا قولاً فيه غرابة ولذا حوفظ عليه فلا يغير. وقد استعير المثل للحال أو الصفة أو القصة إذا كان لها شأن وفيها غرابة كأنه قيل: حالهم العجيبة الشأن كحال الذي استوقد ناراً، وكذلك قوله {مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون} [الرعد: 35] أي فيما قصصنا عليك من العجائب قصة الجنة العجيبة الشأن، ثم أخذ في بيان عجائبها ولله المثل الأعلى أي الوصف الذي له شأن من العظمة والجلالة ووضع {الذي} موضع الذين كقوله {وَخُضْتُمْ كالذي خَاضُواْ} [التوبة: 69] فلا يكون تمثيل الجماعة بالواحدة، أو قصد جنس المستوقدين، أو أريد الفوج الذي استوقد ناراً على أن ذوات المنافقين لم يشبهوا بذات المستوقد حتى يلزم منه تشبيه الجماعة بالواحد إنما شبهت قصتهم بقصة المستوقد. ومعنى استوقد أوقد، ووقود ووقود النار سطوعها، والنار جوهر لطيف مضيء حار محرق، واشتقاقها من نار ينور إذا نفر لأن فيها حركة واضطراباً. {فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ} الإضاءة فرط الإنارة ومصداقه قوله {هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَاء والقمر نُوراً} [يونس: 5] وهي في الآية متعدية، ويحتمل أن تكون غير متعدية مسندة إلى ما حوله، والتأنيث للحمل على المعنى لأن ما حول المستوقد أماكن وأشياء. وجواب فلما {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ} وهو ظرف زمان والعامل فيه جوابه مثل (إذا). و{ما} موصولة و{حوله} نصب على الظرف أو نكرة موصوفة والتقدير: فلما أضاءت شيئاً ثابتاً حوله. وجمع الضمير وتوحيده للحمل على اللفظ تارة وعلى المعنى أخرى. والنور ضوء النار وضوء كل نير، ومعنى أذهبه أزاله وجعله ذاهباً، ومعنى ذهب به استصحبه ومضى به. والمعنى أخذ بنورهم وأمسكه وما يمسك فلا مرسل له فكان أبلغ من الإذهاب. ولم يقل ذهب الله بضوئهم لقوله {فلما أضاءت} لأن ذكر النور أبلغ لأن الضوء فيه دلالة على الزيادة والمراد إزالة النور عنهم رأساً، ولو قيل ذهب الله بضوئهم لأوهم الذهاب بالزيادة وبقاء ما يسمى نوراً، ألا ترى كيف ذكر عقيبه {وَتَرَكَهُمْ فِي ظلمات} والظلمة عرض ينافي النور. وكيف جمعها وكيف نكرها وكيف أتبعها ما يدل على أنها ظلمة لا يتراءى فيها شبحان وهو قوله {لاَّ يُبْصِرُونَ} وترك بمعنى طرح وخلى إذا علق بواحد، فإذا علق بشيئين كان مضمناً معنى صير فيجري مجرى أفعال القلوب ومنه {وتركهم في ظلمات} أصله (هم في ظلمات) ثم دخل (ترك) فنصب الجزأين والمفعول الساقط من {لا يبصرون} من قبيل المتروك المطروح لا من قبيل المقدر المنوي كأن الفعل غير متعدٍ أصلاً.
وإنما شبهت حالهم بحال المستوقد لأنهم غب الإضاءة وقعوا في ظلمة وحيرة، نعم المنافق خابط في ظلمات الكفر أبداً ولكن المواد ما استضاؤوا به قليلاً من الانتفاع بالكلمة المجراة على ألسنتهم، ووراء استضاءتهم بنور هذه الكلمة ظلمة النفاق المفضية بهم إلى ظلمة العقاب السرمدي. وللآية تفسير آخر وهو أنهم لما وصفوا بأنهم اشتروا الضلالة بالهدى عقب ذلك بهذا التمثيل ليمثل هداهم الذي باعوه بالنار المضيئة ما حول المستوقد، والضلالة التي اشتروها بذهاب الله بنورهم وتركه إياهم في الظلمات وتنكير النار للتعظيم. {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ} أي هم صم، كانت حواسهم سليمة ولكن لما سدوا عن الإصاخة إلى الحق مسامعهم، وأبوا أن ينطقوا به ألسنتهم وأن ينظروا أو يتبصروا بعيونهم جعلوا كأنما أنفت مشارعهم. وطريقته عند علماء البيان طريقة قولهم: هم ليوث للشجعان وبحور للأَسخياء إلا أن هذا في الصفات وذلك في الأسماء، وما في الآية تشبيه بليغ في الأصح لا استعارة لأن المستعار له مذكور وهم المنافقون، والاستعارة إنما تطلق حيث يطوى ذكر المستعار له ويجعل الكلام خلواً عنه صالحاً لأن يراد به المنقول عنه والمنقول إليه لولا دلالة الحال أو فحوى الكلام {فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ} لا يعودون إلى الهدى بعد أن باعوه، أو عن الضلالة بعد أن اشتروها لتنوع الرجوع إلى الشيء. وعنه أو أراد أنهم بمنزلة المتحيرين الذين بقوا جامدين في مكانهم لا يبرحون ولا يدرون أيتقدمون أم يتأخرون.
{أَوْ كَصَيّبٍ مّنَ السماء فِيهِ ظلمات وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ} ثنى الله سبحانه وتعالى في شأنهم بتمثيل آخر لزيادة الكشف والإيضاح. وشبه المنافق في التمثيل الأول بالمستوقد ناراً وإظهاره الإيمان بالإضاءة وانقطاع انتفاعه بانطفاء النار، وهنا شبه دين الإسلام بالصيب لأن القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر، وما يتعلق به من شبه الكفار بالظلمات، وما فيه من الوعد والوعيد بالرعد والبرق، وما يصيبهم من الأفزاع والبلايا من جهة أهل الإسلام بالصواعق. والمعنى أو كمثل ذوي صيب فحذف (مثل) لدلالة العطف عليه (وذوي) لدلالة {يجعلون} عليه. والمراد كمثل قوم أخذتهم السماء بهذه الصفة فلقوا منها ما لقوا، فهذا تشبيه أشياء بأشياء إلا أنه لم يصرح بذكر المشبهات كما صرح في قوله: {وَمَا يَسْتَوِي الأعمى والبصير والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَلاَ المسيء} [غافر: 58]، وقول امرئ القيس:
كأن قلوب الطير رطباً ويابسا ** لدى وكرها العناب والحشف البالي

بل جاء به مطوياً ذكره على سنن الاستعارة. والصحيح أن التمثيلين من جملة التمثيلات المركبة دون المفرقة لا يتكلف لواحد واحد شيء يقدر شبهه به.
بيانه أن العرب تأخذ أشياء فرادى معزولاً بعضها من بعض لم يأخذ هذا بحجزة ذاك فتشبهها بنظائرها كما فعل امرؤ القيس، وتشبه كيفية حاصلة من مجموع أشياء قد تضامت وتلاصقت حتى عادت شيئاً واحداً بأخرى مثلها كقوله تعالى: {مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ التوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا} [الجمعة: 5] الآية. فالمراد تشبيه حال اليهود في جهلها بما معها من التوارة بحال الحمار في جهله بما يحمل من أسفار الحكمة، وتساوي الحالتين عنده من حمل أسفار الحكمة وحمل ما سواها من الأوقار لا يشعر من ذلك إلا بما يمر بدفيه من الكد والتعب. وكقوله: {واضرب لَهُم مَّثَلَ الحياة الدنيا كَمَاء أنزلناه مِنَ السماء} [الكهف: 45]، فالمراد قلة بقاء زهرة الدنيا كقلة بقاء الخضر فهو تشبيه كيفية بكيفة، فأما أن يراد تشبيه الأفراد بالأفراد غير منوط بعضها ببعض ومصيرة شيئاً واحداً فلا. فكذلك لما وصف وقوع المنافقين في ضلالتهم وما خبطوا فيه من الحيرة والدهشة، شبهت حيرتهم وشدة الأمر عليهم بما يكابد من طفئت ناره بعد أيقادها في ظلمة الليل، وكذلك من أخذته السماء في الليلة المظلمة مع رعد وبرق وخوف من الصواعق، والتمثيل الثاني أبلغ لأنه أدل على فرط الحيرة وشدة الأمر ولذا أخر، وهم يتدرجون في مثل هذا من الأهون إلى الأغلظ. وعطف أحد التمثيلين على الآخر ب (أو) لأنها في أصلها لتساوي شيئين فصاعداً في الشك عند البعض، ثم استعيرت لمجرد التساوي كقولك (جالس الحسن أو ابن سيرين) تريد أنهما سيان في استصواب أن يجالسا، وقوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ مِنْهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً} [الدهر: 24]، أي الآثم والكفور سيان في وجوب العصيان فكذا هنا معناه أن كيفية قصة المنافقين مشبهة لكيفيتي هاتين القصتين وأن الكيفيتين سواء في استقلال كل واحدة منهما بوجه التمثيل، فبأيتهما مثلتها فأنت مصيب، وإن مثلتها بهما جميعاً فكذلك. والصيب: المطر الذي يصوب أي ينزل ويقع يقال للسحاب صيب أيضاً. وتنكير (صيب) لأنه نوع من المطر شديد هائل كما نكرت النار في التمثيل الأول، والسماء هذه المظلة. وعن الحسن أنها موج مكفوف. والفائدة في ذكر السماء. والصيب لا يكون إلا من السماء أنه جاء بالسماء معرفة فأفاد أنه غمام أخذ بآفاق السماء ونفى أن يكون من سماء أي من أفق واحد من بين سائر الآفاق، لأن كل أفق من آفاقها سماء، ففي التعريف مبالغة كما في تنكير صيب وتركيبه وبنائه، وفيه دليل على أن السحاب من السماء ينحدر ومنها يأخذ ماءه، وقيل: إنه يأخذ من البحر ويرتفع.
{ظلمات} مرفوع بالجار والمجرور لأنه قد قوي لكونه صفة لصيب بخلاف ما لو قلت ابتداء {فيه ظلمات} ففيه خلاف بين الأخفش وسيبويه.
والرعد: الصوت الذي يسمع من السحاب لاصطكاك أجرامه، أو ملك يسوق السحاب. والبرق الذي يلمع من السحاب من برق الشيء بريقاً إذا لمع، والضمير في (فيه) يعود إلى الصيب فقد جعل الصيب مكاناً للظلمات، فإن أريد به السحاب فظلماته إذا كان أسحم مطبقاً، ظلمتا سحمته وتطبيقه مضمومة إليهما ظلمة الليل. وأما ظلمات المطر فظلمة تكاثفه بتتابع القطر وظلمة أظلال غمامه مع ظلمة الليل. وجعل الصيب مكاناً للرعد والبرق على إرادة السحاب به ظاهر، وكذا إن أريد به المطر لأنهما ملتبسان به في الجملة. ولم يجمع الرعد والبرق لأنهما مصدران في الأصل، يقال رعدت السماء رعداً وبرقت برقاً فروعي حكم الأصل بأن ترك جمعهما. ونكرت هذه الأشياء لأن المراد أنواع منها كأنه قيل فيه ظلمات داجية ورعد قاصف وبرق خاطف. {يَجْعَلُونَ أصابعهم فِي ءَاذَانِهِم} الضمير لأصحاب الصيب وإن كان محذوفاً كما في قوله: {أو هُمْ قَائِلُونَ} [الأعراف: 4] لأن المحذوف باقٍ معناه وإن سقط لفظه. ولا محل ل {يجعلون} لكونه مستأنفاً لأنه لما ذكر الرعد والبرق على ما يؤذن بالشدة والهول فكأن قائلاً قال: فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد؟ فقيل: يجعلون أصابعهم في آذانهم. ثم قال: فكيف حالهم مع مثل ذلك البرق؟ فقال: يكاد البرق يخطف أبصارهم. وإنما ذكر الأصابع ولم يذكر الأنامل ورؤوس الأصابع هي التي تجعل في الأذان اتساعاً كقوله: {فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] والمراد إلى الرسغ، ولأن في ذكر الأصابع من المبالغة ما ليس في ذكر الأنامل. وإنما لم يذكر الأصبع الخاص الذي تسدّ به الأذن لأن السبابة فعالة من السب فكان اجتنابها أولى بآداب القرآن، ولم يذكر المسبحة لأنها مستحدثة غير مشهورة. {مّنَ الصواعق} متعلق بـ {يجعلون} أي من أجل الصواعق يجعلون أصابعهم في آذانهم. والصاعقة قصفة رعد تنقض معها شقة من نار. قالوا: تنقدح من السحاب إذا اصطكت أجرامه، وهي نار لطيفة حديدة لا تمر بشيء إلاَّ أتت عليه، إلاَّ أنها مع حدتها سريعة الخمود. يحكى أنها سقطت على نخلة فأحرقت نحو نصفها ثم طفئت. ويقال: صعقته الصاعقة إذا أهلكته فصعق أي: مات إما بشدة الصوت أو بالإحراق {حَذَرَ الموت} مفعول له، والموت فساد بنية الحيوان أو عرض لا يصح معه إحساس معاقب للحياة {والله مُحِيطٌ بالكافرين} يعني: أنهم لا يفوتونه كما لا يفوت المحاط به المحيط فهو مجاز وهذه الجملة اعتراض لا محل لها.

.تفسير الآيات (20- 24):

{يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)}
{يَكَادُ البرق يَخْطَفُ أبصارهم} الخطف الأخذ بسرعة، و(كاد) يستعمل لتقريب الفعل جداً، وموضع يخطف نصب لأنه خبر (كاد). {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم} (كل) ظرف و(ما) نكرة موصوفة معناها الوقت، والعائد محذوف أي كل وقت أضاء لهم فيه، والعامل فيه جوابها وهو {مَّشَوْاْ فِيهِ} أي في ضوئه وهو استئناف ثالث كأنه جواب لمن يقول: كيف يصنعون في تارتي خفوق البرق وخفيته؟ وهذا تمثيل لشدة الأمر على المنافقين بشدته على أصحاب الصيب وما هم فيه من غاية التحير والجهل بما يأتون وما يذرون إذا صادفوا من البرق خفقة مع خوف أن يخطف أبصارهم انتهزوا تلك الخفقة فرصة فخطوا خطوات يسيرة، فإذا خفي وفتر لمعانه بقوا واقفين. و{أضاء} متعدٍ كلما نور لهم ممشى ومسلكاً أخذوه، والمفعول محذوف. أو غير متعدٍ أي كلما لمع لهم مشوا في مطرح نوره. والمشي جنس الحركة المخصوصة فإذا اشتد فهو سعي فإذا ازداد فهو عدوٌ. {وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ} {أظلم} غير متعدٍ وذكر مع {أضاء} {كلما} ومع {أظلم} {إذا} لأنهم حراص على وجود ما همهم به معقود من إمكان المشي، فكلما صادفوا منه فرصة انتهزوها ولا كذلك التوقف. {قَامُواْ} وقفوا وثبتوا في مكانهم ومنه قام الماء إذا جمد. {وَلَوْ شَاءَ الله لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ} بقصيف الرعد {وأبصارهم} بوميض البرق. ومفعول {شاء} محذوف لدلالة الجواب عليه أي ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بهما ولقد تكاثر هذا الحذف في {شاء} وأراد لا يكادون يبرزون المفعول إلا في الشيء المستغرب كنحو قوله:
فلو شئت أن أبكي دماً لبكيته ** عليه ولكن ساحة الصبر أوسع

وقوله تعالى: {لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً} [الأنبياء: 17]. {وَلَوْ أَرَاد الله أن يتخذْ وَلَدًا} {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي إن الله قادر على كل شيء.
لما عدد الله فرق المكلفين من المؤمنين والكفار والمنافقين وذكر صفاتهم وأحوالهم وما اختصت به كل فرقة مما يسعدها ويشقيها ويحظيها عند الله ويرديها أقبل عليهم بالخطاب وهو من الالتفات المذكور فقال: {يا أَيُّهَا الناس} قال علقمة: ما في القرآن {يا أيها الناس} فهو خطاب لأهل مكة، وما فيه {يا أيها الذين آمنوا} فهو خطاب لأهل المدينة، وهذا خطاب لمشركي مكة، و(يا) حرف وضع لنداء البعيد، وأي والهمزة للقريب، ثم استعمل في مناداة من غفا وسها وإن قرب ودنا تنزيلاً له منزلة من بعد ونأى، فإذا نودي به القريب المقاطن فذاك للتوكيد المؤذن بأن الخطاب الذي يتلوه معتنى به جداً. وقول الداعي (يا رب) وهو أقرب إليه من حبل الوريد استقصار منه لنفسه واستبعاد لها عن مظان الزلفى هضماً لنفسه وإقراراً عليها بالتفريط مع فرط التهالك على استجابة دعوته.
و(أي) وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام كما أن (ذو) و(الذي) وصلتان إلى الوصف بأسماء الأجناس ووصف المعارف بالجمل، وهو اسم مبهم يفتقر إلى ما يزيل إبهامه فلابد أن يردفه اسم جنس أو ما يجري مجراه يتصف به حتى يتضح المقصود بالنداء. فالذي يعمل فيه (يا أي)، أي والتابع له صفته نحو (يا زيد الظريف) إلا أن (أيا) لا يستقل بنفسه استقلال زيد فلم ينفك عن الصفة، وكلمة التنبيه المقحمة بين الصفة وموصوفها لتأكيد معنى النداء وللعوض عما يستحقه أي من الإضافة. وكثر النداء في القرآن على هذه الطريقة لأن ما نادى الله به عباده من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده أمور عظام وخطوب جسام، يجب عليهم أن يتيقظوا لها ويميلوا بقلوبهم إليها وهم عنها غافلون، فاقتضت الحال أن ينادوا بالآكد الأبلغ. {اعبدوا رَبَّكُمُ} وحدوه. قال ابن عباس رضي الله عنهما: كل عبادة في القرآن فهي توحيد {الذي خَلَقَكُمْ} صفة موضحة مميزة لأنهم كانوا يسمون الآلهة أرباباً. والخلق إيجاد المعدوم على تقدير واستواء، وعند المعتزلة إيجاد الشيء على تقدير واستواء، وهذا بناء على أن المعدوم شيء عندهم لأن الشيء ما صح أن يعلم ويخبر عنه عندهم، وعندنا هو اسم للموجود. خلقكم بالإدغام: أو عمرو. {والذين مِن قَبْلِكُمْ} احتج عليهم بأنه خالقهم وخالق من قبلهم لأنهم كانوا مقرين بذلك فقيل لهم: إن كنتم مقرين بأنه خالقكم فاعبدوه ولا تعبدوا الأصنام. {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي اعبدوا على رجاء أن تتقوا فتنجوا بسببه من العذاب. و(لعل) للترجي والإطماع ولكنه إطماع من كريم فيجري مجرى وعده المحتوم وفاؤه، وبه قال سيبويه. وقال قطرب: هو بمعنى (كي) أي لكي تتقوا. {الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض} أي صير ومحل {الذي} نصب على المدح أو رفع بإضمار هو {فراشاً} بساطاً تقعدون عليها وتنامون وتتقلبون وهو مفعول ثانٍ لجعل، وليس فيه دليل على أن الأرض مسطحة أو كرية إذ الافتراش ممكن على التقديرين. {والسماء بِنَاءً} سقفاً كقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا السماء سَقْفاً مَّحْفُوظاً} [الأنبياء: 32]، وهو مصدر سمي به المبنى. {وَأَنزَلَ مِنَ السماء مَاءً} مطراً {فَأَخْرَجَ بِهِ} بالماء، نعم خروج الثمرات بقدرته ومشيئته وإيجاده ولكن جعل الماء سبباً في خروجها كماء الفحل في خلق الولد وهو قادر على إنشاء الكل بلا سبب كما أنشأ نفوس الأسباب والمواد، ولكن له في إنشاء الأشياء مدرجاً لها من حال إلى حال وناقلاً من مرتبة إلى مرتبة، حكماً وعبراً للنظار بعيون الاستبصار. و{من} في {مِنَ الثمرات} للتبعيض أو للبيان {رِزْقاً} مفعول له إن كانت (من) للتبعيض، ومفعول به ل (أخرج) إن كانت للبيان.
وإنما قيل الثمرات دون الثمر والثمار وإن كان الثمر المخرج بماء السماء كثيراً، لأن المراد جماعة الثمرة، ولأن الجموع يتعاور بعضها موقع بعض لالتقائها في الجمعية. {لَكُمْ} صفة جارية على الرزق إن أريد به العين، وإن جعل اسماً للمعنى فهو مفعول به كأنه قيل رزقاً وإياكم. {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً} هو متعلق بالأمر أي اعبدوا ربكم فلا تجعلوا له أنداداً لأن أصل العبادة وأساسها التوحيد، وأن لا يجعل له ند ولا شريك. ويجوز أن يكون الذي رفعاً على الابتداء وخبره {فلا تجعلوا}. ودخول الفاء لأن الكلام يتضمن الجزاء أي الذي حفكم بهذه الآيات العظيمة والدلائل النيرة الشاهدة بالوحدانية فلا تتخذوا له شركاء. المثل والند ولا يقال إلا للمثل المخالف المناوئ، ومعنى قولهم ليس لله ند ولا ضد نفي ما يسد مسده ونفي ما ينافيه {وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} أنها لا تخلق شيئاً ولا ترزق والله الخالق الرازق، أو مفعول {تعلمون} متروك أي وأنتم من أهل العلم. وجعل الأصنام لله أنداداً غاية الجهل، والجملة حال من الضمير في {فلا تجعلوا}.
ولما احتج عليهم بما يثبت الوحدانية ويبطل الإشراك لخلقهم أحياء قادرين وخلق الأرض التي هي مثواهم ومستقرهم، وخلق السماء التي هي كالقبة المضروبة والخيمة المطنبة على هذا القرار وما سوّاه عز وجل من شبه عقد النكاح بين المقلة والمظلة بإنزال الماء منها عليها والإخراج به من بطنها أشباه النسل من الثمار رزقاً لبني آدم، فهذا كله دليل موصل إلى التوحيد مبطل للإشراك، لأن شيئاً من المخلوقات لا يقدر على إيجاد شيء منها، عطف على ذلك ما هو الحجة على إثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وما يقرر إعجاز القرآن فقال:
{وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مّمَّا نَزَّلْنَا} (ما) نكرة موصوفة أو بمعنى الذي {على عَبْدِنَا} محمد عليه السلام، والعبد اسم لمملوك من جنس العقلاء، والمملوك موجود قهر بالاستيلاء. وقيل: نزلنا دون أنزلنا لأن المراد به النزول على سبيل التدريج والتنجيم وهو من مجازه لمكان التحدي وذلك أنهم كانوا يقولون لو كان هذا من عند الله لم ينزل هكذا نجوماً سورة بعد سورة وآيات غب آيات على حسب النوازل وعلى سنن ما نرى عليه أهل الخطابة والشعر من وجود ما يوجد منهم مفرقاً حيناً فحيناً، شيئاً فشيئاً لا يلقي الناظم ديوان شعره دفعة، ولا يرمي الناثر بخطبه ضربة، فلو أنزله الله لأنزله جملة قال الله تعالى: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرءان جُمْلَةً واحدة} [الفرقان: 32]، فقيل: إن ارتبتم في هذا الذي وقع إنزاله هكذا على تدريج {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ} أي فهاتوا أنتم نوبة واحدة من نوبه، وهلموا نجماً فرداً من نجومه سورة من أصغر السور.
والسورة الطائفة من القرآن المترجمة التي أقلها ثلاث آيات. وواوها إن كانت أصلاً فإما أن تسمى بسور المدينة وهو حائطها لأنها طائفة من القرآن محدودة محوزة على حيالها كالبلد المسور، أو لأنها محتوية على فنون من العلم وأجناس من الفوائد كاحتواء سور المدينة على ما فيها، وإما أن تسمى بالسورة التي هي الرتبة لأن السور بمنزلة المنازل والمراتب يترقى فيها القارئ، وهي أيضاً في نفسها مرتبة طوال وأوساط وقصار، أو لرفعة شأنها وجلالة محلها في الدين. وإن كانت منقلبة عن همزة فلأنها قطعة وطائفة من القرآن كالسؤرة التي هي البقية من الشيء. وأما الفائدة في تفصيل القرآن وتقطيعه سوراً فهي كثيرة، ولذا أنزل الله تعالى التوراة والإنجيل والزبور وسائر ما أوحاه إلى أنبيائه مسورة مترجمة السورة، وبوب المصنفون في كل فن كتبهم أبواباً موشحة الصدور بالتراجم. منها أن الجنس إذا انطوت تحته أنواع واشتمل على أصناف كان أحسن من أن يكون بياناً واحداً، ومنها أن القارئ إذا ختم سورة أو باباً من الكتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأبعث على الدرس والتحصيل منه لو استمر على الكتاب بطوله، ومن ثم جزّأ القراء القرآن أسباعاً وأجزاء وعشوراً وأخماساً، ومنها أن الحافظ إذا حذق السورة اعتقد أنه أخذ من كتاب الله طائفة مستقلة بنفسها لها فاتحة وخاتمة فيعظم عنده ما حفظه ويجل في نفسه، ومنه حديث أنس رضي الله عنه كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جل فينا. ومن ثم كانت القراءة في الصلاة بسورة تامة أفضل. {مِّن مِّثْلِهِ} متعلق ب (سورة) صفة لها والضمير لما نزلنا أي بسورة كائنة من مثله يعني فأتوا بسورة مما هو على صفته في البيان الغريب وعلو الطبقة في حسن النظم، أو لعبدنا أي فأتوا بمن هو على حاله من كونه أمياً لم يقرأ الكتب ولم يأخذ من العلماء. ولا قصد إلى مثل ونظير هنالك. ورد الضمير إلى المنزل أولى لقوله تعالى: {فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مّثْلِهِ} [يونس: 38]. {فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مّثْلِهِ} [هود: 13]. {على أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هذا القرءان لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الإسراء: 88]. ولأن الكلام مع رد الضمير إلى المنزل أحسن ترتيباً. وذلك أن الحديث في المنزل لا في المنزل عليه وهو مسوق إليه فإن المعنى وإن ارتبتم في أن القرآن منزل من عند الله فهاتوا أنتم نبذاً مما يماثله. وقضية الترتيب لو كان الضمير مردوداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقال: وإن ارتبتم في أن محمداً منزل عليه فهاتوا قرآناً من مثله، ولأن هذا التفسير يلائم قوله {وادعوا شُهَدَاءَكُم} جمع شهيد بمعنى الحاضر أو القائم بالشهادة {مِن دُونِ الله} أي غير الله وهو متعلق ب {شهداءَكم} أي ادعوا الذين اتخذتموهم آلهة من دون الله وزعمتم أنهم يشهدون لكم يوم القيامة أنكم على الحق أو من يشهد لكم بأنه مثل القرآن {إِن كُنتُمْ صادقين} إن ذلك مختلق وأنه من كلام محمد عليه السلام.
وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله أي إن كنتم صادقين في دعواكم فأتوا أنتم بمثله واستعينوا بآلهتكم على ذلك.
{فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فاتقوا النار التي وَقُودُهَا الناس والحجارة} لما أرشدهم إلى الجهة التي منها يتعرفون صدق النبي عليه السلام، قال لهم: فإذا لم تعارضوه وبان عجزكم ووجب تصديقه فآمنوا وخافوا العذاب المعَدَّ لمن كذب وعاند. وفيه دليلان على إثبات النبوة صحة كون المتحدى به معجزاً، والإخبار بأنهم لن يفعلوا وهو غيب لا يعلمه إلا الله. ولما كان العجز عن المعارضة قبل التأمل كالشكوك فيه لديهم لاتكالهم على فصاحتهم واعتمادهم على بلاغتهم، سيق الكلام معهم على حسب حسبانهم فجيء ب (إن) الذي للشك دون (إذا) الذي للوجوب، وعبَّر عن الإتيان بالفعل لأنه فعل من الأفعال. والفائدة فيه أنه جارٍ مجرى الكتابة التي تعطيك اختصاراً إذ لو لم يعدل من لفظ الإتيان إلى لفظ الفعل لاستطيل أن يقال: {فإن لم تأتوا بسورة من مثله ولن تأتوا بسورة من مثله}. ولا محل لقوله {ولن تفعلوا} لأنها جملة اعتراضية، وحسّن هذا الاعتراض أن لفظ الشرط للتردد فقطع التردد بقوله {ولن تفعلوا} و(لا) و(لن) أختان في نفي المستقبل إلا أن في (لن) تأكيداً. وعن الخليل أصلها (لا أن)، وعند الفراء (لا) أبدلت ألفها نوناً، وعند سيبويه حرف موضوع لتأكيد نفي المستقبل، وإنما علم أنه إخبار عن الغيب على ما هو به حتى صار معجزة لأنهم لو عارضوه بشيء لاشتهر فكيف والطاعنون فيه أكثر عدداً من الذابين عنه؟ وشرط في اتقاء النار انتفاء إتيانهم بسورة من مثله لأنهم إذا لم يأتوا بها وتبين عجزهم عن المعارضة صح عندهم صدق الرسول، وإذا صح عندهم صدقه ثم لزموا العناد وأبوا الانقياد استوجبوا النار فقيل لهم: إن استبنتم العجز فاتركوا العناد، فوضع {فاتقوا النار} موضعه لأن اتقاء النار سبب ترك العناد وهو من باب الكناية وهي من شعب البلاغة، وفائدته الإيجاز الذي هو من حلية القرآن. والوقود ما ترفع به النار يعني الحطب، وأما المصدر فمضموم وقد جاء فيه الفتح. وصلة الذي والتي تجب أن تكون معلوماً للمخاطب فيحتمل أن يكونوا سمعوا من أهل الكتاب أو من رسول الله، أو سمعوا قبل هذه الآية قوله تعالى: {نَاراً وَقُودُهَا الناس والحجارة} [التحريم: 6]. وإنما جاءت النار منكرة ثم ومعرفة هنا لأن تلك الآية نزلت بمكة ثم نزلت هذه الآية بالمدينة مشاراً بها إلى ما عرفوه أولاً.
ومعنى قوله تعالى: {وقودها الناس والحجارة} أنها نار ممتازة عن غيرها من النيران بأنها تتقد بالناس والحجارة وهي حجارة الكبريت، فهي أشد توقداً وأبطأ خموداً وأنتن رائحة وألصق بالبدن أو الأصنام المعبودة فهي أشد تحسيراً. وإنما قرن الناس بالحجارة لأنهم قرنوا بها أنفسهم في الدنيا حيث عبدوها وجعلوها لله أنداداً ونحوه قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: 98] أي حطبها، فقرنهم بها محماة في نار جهنم إبلاغاً في إيلامهم. {أُعِدَّتْ للكافرين} هيئت لهم. وفيه دليل على أن النار مخلوقة خلافاً لما يقوله جهم سنة الله في كتابه أن يذكر الترغيب مع الترهيب تنشيطاً لاكتساب ما يزلف وتثبيطاً عن اقتراف ما يتلف، فلما ذكر الكفار وأعمالهم وأوعدهم بالعقاب قفاه بذكر المؤمنين وأعمالهم وتبشيرهم بقوله: